نشر بتاريخ 24 يوليو 2014 18:22:47
يطل علينا بين الفينة والاخرى من أحد اقطار الولايات المتحدة الامريكية الصديق" محمد برشي" بمواضيع ومستجدات الساعة خاصة تلك المتعلقة بجماعتنا ملعب ،وقد وجد ضالته مؤخرا في شأن مشروع المدرسة الجماعاتية التي شرع في الايام الاخيرة في اشغال إحداثها بمركز ملعب ،حيث افرد هذا الحدث بموضوعين في صفحته في موقع من لا موقع له " الفايس بوك"ونظرا للأحكام الجاهزة والنظرة السلبية المسبقة التي كونها حول هذا المشروع التاريخي الضخم بل ونظرا للحرب الغير المعلن الذي شنه ضد رجل التعليم حيث جعله في قفص الاتهام بربطه بمسؤولية فشل المنظومة التربوية ببلادنا ،وحتى لا يمر كلامه مرور الكرام ويجعله من لا دراية له في الموضوع علما ينتفع به، ارتأيت ان أناظر نظرته في الموضوع بما أوتيت من علم وتجربة في ميدان التربية والتعليم عسى ان يفتح الله علينا بردود اخرى اوسع تجربة تشفي غليلنا اكثر، آمنين أن الخريطة حسب فرضيات علم البرمجة اللغوية العصبية ليست هو العالم فلكل واحد واقعه وبهذا يبقى الواقع نسبيا، واليكم ما يمكن ان يؤاخذ من كلام صديقنا:
اولا :أقول لصاحبنا ان الخوض في مواضيع شائكة كموضوع التربية والتعليم يحتاج الى دراية وتجربة في الميدان والغوص في شؤونها بدون ذلك كمن يواجه العدو بلا سلاح و المجادلة والتقول فيها من الافتراء.
ثانيا :فيما يخص موضوع احداث المدرسة الجماعاتية بمركز ملعب :
تؤكد العديد من المصادر النقابية، أن المدرسة الجماعاتية التي تشبه إلى حد ما المركب التربوي أو المدرسة المندمجة، جاءت كبديل تربوي بالعالم القروي، بعدما تبين بالملموس أن أزمة التعليم بالعالم القروي، تتجاوز نظيرتها بالمناطق الحضرية.
وتؤكد المصادر ذاتها، أن إحداث المدارس الجماعاتية بالمناطق القروية، اعتمد على عدة معطيات، منها إحداثها في مناطق تتوفر فيها كل الشروط الضرورية من ربط بشبكتي الماء والكهرباء، وتوفر تجمع سكاني ومرافق اجتماعية وصحية، مقابل مدرسة تتوفر على مرافق صحية وحجرات دراسية وسكن قار للمدرسين والطاقم الإداري والتربوي، وقسم داخلي، مما يساعد التلميذ والمؤطر على إنجاح العملية التعلمية.
وتشير عدة معطيات إلى أن تجربة المدارس الجماعاتية، ليست مشروعا جديدا، بل مستمدة من دول أخرى سبقت المغرب إلى هذه التجربة، ولقيت نجاحا مهما، سيما ببعض المناطق الإفريقية القريبة منا، على مستوى المنظومة التعليمية كالسنغال والنيجر.
كما أن دولا أوربية، سبق وأن أنشأت هذه المدارس في مناطق نائية، وتبين بعد ذلك نجاحها، مما جعل المغرب، في إطار المخطط الاستعجالي وكذا الميثاق الوطني للتربية والتكوين، يستحضر هذه التجارب التي انطلق العمل بها في السنوات الأخيرة.
اننا بذلك اذ نثمن ونشد بحرارة على أيدي كل من كان وراء هذا المشروع الهام والضخم بملعب، بغض النظر عمن كان وراءه امريكيا كان أو قطريا أو أو ... فجزاهم الله خيرا، وان من يجعل درجته وراء بناء مستشفى او دور للنسوة الخ ...كمن يطالب أبناء بدون أم .
وفيما يخص الادعاء بأن اصلاح المنظومة التربوية اولى من البنايات والتجهيزات ، أجيب بكل اختصار أن هذه الشروط تدخل ضمن هذا الاصلاح فعندما يتحقق شرط نطالب بـاخر.
وفي ما يتعلق بالشق الاخر والمتعلق بجملة من الاتهامات الموجهة للمدرس، اقول لصديقي العزيز ان علاقتك منذ نعومة أظفارك بالثنائية أستاذ - مدرسة جعلك تعيش بقصر النظر، واختزال المشاكل التي يتخبط فيه تعليمنا يحوم فقط حول هذه الثتائية رغم أن الخفي أعظم، واذا اردت فعلا أن تستفيد عن الاسباب الحقيقية وراء فشل هذه المنظومة، وأن أساعدك على وضع أصبعك على الجرح الغائر الذي أصيبت بها اليك مايلي:
ان فشل المنظومة التعليمية ببلادنا له جذور تاريخية وليست حديثة العهد ،وان كل العاملين في هذا الميدان والمهتمون بالشأن التعليمي لم تصدر منهم يوما تهمة جعل المدرس في حلقة هذه المعضلة، و لازالوا يتكلمون عن أزمة التعليم على كل المستويات، بل هناك من يشم رائحة فشل الإصلاح الجديد و هو لم يكتمل بعد(؟) وعليه، نلاحظ أن تاريخ الإصلاح في المغرب هو تاريخ إصلاحات بامتياز! ما يكاد يظهر إصلاح حتى يعلن فشله ليظهر إصلاح آخر وما يثير الانتباه هو عدد الإصلاحات المتتالية والفترات الزمنية "القياسية" التي تفصل بين إصلاح آخر! فهل المجتمع المغربي بهذه الدينامية الكبيرة والسريعة؟!أم أن الأمر يتعلق، فقط بخصوصيات بنيوية ووظيفية (ذات طابع سياسي وإيديولوجي أساسا) وقد تكون ستاتيكية(؟) هي التي تجعل تاريخ التعليم في المغرب هو تاريخ فشل و إصلاحات؟!.
إذن،لماذا يفشل إصلاح التعليم في المغرب؟
في البدا سنحاول عرض موقفي كلا من ذ.المكي المروني* و د.محمد الدريج**،لاعتقادنا بانهما لا مسا أهم أسباب و معوقات الإصلاحات التعليمية في المغرب:
يقدم لنا المكي المروني أسباب و معوقات الإصلاح التعليمي بالمغرب من سنة 1956 إلى 1964 كما يلي:
*إصلاح56-63: ويذكر من أسباب فشله: تدني مستوى التعليم ذلك لأنه(الإصلاح)طرح لا على اقتناع من قبل المسؤولين، بل كان يتم تحت ضغط الرأي العام الذي طالب بتخليص النظام التعليمي من الهيمنة الأجنبية وتكييفه مع واقع وحاجيات الوطن الخاصة به...
*إصلاح64-72: ويرجع المروني معوقاته إلى الضغوطات المالية و التقليص من وتيرة التمدرس، والتوقف عن تعريب التعليم، وبحت مسوغ لإيقافه...
*إصلاح73-83: ومن أسباب فشله: تراجع نمو التعليم بسبب العوامل الاقتصادية الضاغطة تراجع المر دودية الداخلية للتعليم من حيث التمويل و التأطير و التجهيز شلل شبه تام من طرف المسؤولين على مستوى الفعل والإنجاز رغم الشعور الواضح بضرورة الإصلاح الجذري للنظام التعليمي.
*إصلاح83-94: حيث عرف عدة مشاكل ترتبط بالتمدرس و الفعالية الداخلية، ولغات التعلم، وملاءمة التكوين لحاجيات التشغيل. وبصفة عامة يحدد المروني العوامل التي كانت تلعب دور المعوق لعمليات إصلاح التعليم في الطلب الاجتماعي القوي الذي لم تستطع وسائل الدولة مسايرته، وفي العامل الاقتصادي، وكذا السياسي الذي يحتد كلما طرحت قضايا التعريب و التوحيد، و في الإرث التاريخي للهياكل و البنيات الموروثة عن عهد الحماية، و التي أفرزت ظاهرة الازدواجية اللغوية و الثقافية، بالإضافة إلى الجهاز الإداري المحكوم بالعلاقات العمودية.
أما الدكتورمحمد الدريج فإنه يحدد أسباب فشل إصلاح التعليم(إصلاح85) في: الخلل في توازن العرض و الطلب إشكالية التمويل، ضعف النموذج لدى" المخططين"ولدى من تعاقب على مسؤولية القرار وعلى مسؤولية تنفيذه، تأرجح النظام التعليمي بين نموذجين (وربما أكثر): النموذج الوطني و النموذج الموروث عن الحماية هذا التأرجح الذي يتحول إلى ثنائية ممزقة وإلى صراع بين ضد بين يكتسي في الغالب لبوس التناقض بين الثرات و الحداثة أو بين الأصالة و المعاصرة،غياب النظرية الشمولية نتيجة غياب النموذج وغياب النظرية وتأرجح الاختيارات وتردد القرارات...ضعف السند العلمي للإصلاح وتغيب البحث التربوي...
وعلاوة على الأسباب و المعوقات الواردة عند كل من المكي المروني و محمد الدريج يمكننا أن نضيف و ندقق:
هيمنة السياسي و الإيديولوجي على البيداغوجي التعليمي و ذلك على حساب المعرفي العلمي و الموضوعي، لا ديمقراطية التعليم على مستوى الاختيارات البيداغوجية و التنظيمية و التدبيرية و العلائقية، الطبيعة المتخلفة و المعوقة للمحيط السوسيو-ثقافي للمدرسة، تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية لأغلب رجال ونساء التعليم و المتعلمين على السواء(حيث التعليم العمومي هو تعليم الفقراء بامتياز)،عدم إخضاع التعليم "للعقلنة المستقبلية"(التخطيط و التوجيه و الاستشراف على المدى المتوسط و البعيد)،بالإضافة إلى عدم ربط التخطيط التعليمي بالمخططات المجتمعية الأخرى حسب منظور شامل و نسقي في خدمة مشروع مجتمعي كلي و متكامل عوض المنظور ألتجزيئي و ألقطاعاتي للمجتمع،عدم الاهتمام بما فيه الكفاية بالأبعاد التكوينية و التأطيرية و استمراريتها ومسايرتها للمستجدات العلمية و التكنولوجية الجديدة(كما يقع في الإصلاح الجديد المعتمد على بيداغوجيا الكفايات حيث أغلب المدرسين و المؤطرين لم يتمثلوا جيدا المنهاج التعليمي الجديد)،عدم الأخذ بعين الإعتبار وبكيفية علمية البعد الزمني للعملية التعليمية-التعلمية(الغلاف الزمني للمواد المدرسة عدد ساعات عمل المدرسين المرهقة خصوصا في الابتدائي،علاقة زمان التعلم بالزمن السيكولوجي والاجتماعي و الإيكولوجي لدى المتعلم تكريس بيداغوجيا الكم و الذاكرة خصوصا في التقييم و الامتحانات وذلك على حساب بيداغوجيا الكيف و الإبداع و الذكاء و الكفاءة-رغم اعتماد بيداغوجيا الكفايات حيث الخطاب التربوي في واد و الواقع في واد آخر-عدم ترابط المنهاج الدراسي ساء في نفس المستوى أو في المستويات اللاحقة عدم إخضاع الإصلاح للدراسات التجريبية الأولية وتقييمه قبل العمل على تعميمه على كل التراب الوطني عدم الحسم النهائي في مسألة الاختيار اللغوي للتعليم في المغرب وذلك حسب الخصوصيات الثقافية و التواصلية الوطنية(لازالت هيمنة اللغات الأجنبية وخصوصا في المستويات العليا حيث تلعب اللغة دورا حاسما في مستقبل المتعلم و البلد على السواء)،تردي وتراجع صورة التعليم في المجتمع من حيث قيمته ووظيفته الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية(بطالة،ارتفاع الأمية الأبجدية و الوظيفية،تردي الأوضاع الاجتماعية لأغلب المشتغلين بالتعليم...) عدم عدم وجود إرادة سياسية حقيقية وكاملة وجريئة لدى الدولة وخصوصا على المستوى المالي،حيث نلاحظ عدم الوفاء ب5% كزيادة سنوية في ميزانية التعليم(كما ورد في الدعامة19من الميثاق الوطني للتربية و التكوين)حسب معلوماتنا،التقليص من المناصب المالية،المغادرة الطوعية...في حين أن قطاع التعليم يعرف خصصا كبيرا في الاعتمادات المالية و الموارد البشرية و التجهيز...نظرا للارتفاع عدد المتمدرسين النظاميين وغير النظاميين و رفع تحدي التعميم و الجودة...(؟!)
وفي الأخير يحق لنا أن نتساءل:هل الإصلاح التعليمي الجديد، المبلور في الميثاق الوطني للتربية والتكوين،يمكن له أن يتجاوز كل الأسباب و المعوقات التي تعتمل في الجسد التعليمي تاريخيا بالإضافة إلى تحديات الحاضر و المستقبل الأكثر تعقيدا؟رغم الطابع الشبه إيجابي للميثاق كنص،إلا أنه لازال هناك الكثير من الإشكاليات العالقة و من الاوراش و التحديات في انتظارنا على جبل الواقع،وعند نزولنا إلى الصحاري و الوديان الوعرة لما هو ميداني وتطبيقي عملي.الكثير ينتظرنا ليس فقط على مستوى المنظومة التعليمية،بل أيضا على مستوى باقي المنظومات و المؤسسات المجتمعية الأخرى(السياسية و الاقتصادية والثقافية و المجالية...)ذلك أن التعليم جزء لا يتجزء من هذا الكل المجتمعي، يتفاعل معه بنيويا ووظيفيا،سلبا وإيجابا.
فلا إصلاح و لا تقدم للمنظومة التعليمية دون أن يشمل هذا الإصلاح،كذلك،باقي المنظومات المجتمعية الأخرى وفق مبادئ الديمقراطية الشاملة والمواطنة الحقة(قمة وقاعدة)وليس ديمقراطية و مواطنة الشعارات الديماغوجية التي لا تصلح سوى للإستهتاك السياسي الرخيص ....
ومن هنا وهناك نؤكد لصاحبنا أن رجل التعليم هو فأر في مختبر للتجارب فعن طريقه تمرر السياسات الاصلاحية المزعومة فهو بمثابة سلطة تنفيدية لا غير وتغييبه كطرف مهم في عملية الاصلاح مسؤولية القمة .
وفي الاخير، اذا قلنا ان التعليم جزء لا يتجزء من هذا الكل المجتمعي ،فعلى البيت والشارع والمدرسة أن يضعوا يدا في يد من اجل اصلاح متكامل ،فلا يمكن للمدرسة ان تنتج أجيالا كما يبتغيها المجتمع بدونه، فاليد الواحدة لا تصفق فلا يمكن لأب أن ينتظر خيرا من ابن أهمله وحمل المدرسة المسؤولية الكاملة عن مستقبله خاصة في زمن توفرت فيه كل شروط التعلم من وسائل حديثة غزت كل البيوت كالشبكة العنكبوتية مثلا التي توفر المعلومة وعناء البحث عنها في مصادر اخرى ،هذا فعلا اذا كان ذلك تصاحبه مراقبة الاباء والاولياء الذين غالبيتهم يلقون اللوم فقط في ضعف تحصيل ابنائهم على المدرس.
وختاما اقول لا بأس أخي الفاضل"زد ثقل على حمار ..." فبعد أن جعل المجتمع من الاستاذ سخرية ونكتة هاهو مرة أخرى يتهم بتهمة قتل التعليم ببلادنا في زمن انقلبت فيه الآية فمن "كاد المعلم أن يكون رسولا" صارت "كاد المعلم ان يكون حمارا أو بالاحرى منشفة"
فمتى نكف عن القاء اللوم على المقدم، الشيخ، الفقيه، المعلم، القائد المنتخب، العامل، القاضي، الوزير ،ال... ونحاسب ولوقليلا أنفسنا.
تعليقات (0)
أضف تعليقـك