نشر بتاريخ 11 مايو 2014 18:04:53
محمد برشي
قبل ثلاث سنوات قررت ان امضي شهر رمضان المبارك ببلدتي ملاعب وسط الأهل والأحباب بعيدا عن الغربة حيث أعيش غريبا على أهلها ومعلوم ان الحنين الى الديار يشتدّ وطأه في المهجر بحلول كل مناسبة دينية .ورمضان عند أهله هو قبل كل شيء التزام ديني وهذا الالتزام عند معظم الناس التي تفهم الدين من قشوره هو الالتزام امام الله فيما يراك فيه البشر من حولك ( وهو ما يصطلح عليه رياءاً) أما في اعماقك فأنت هو ما شئت مادام الناس من حولك لا يعلمون ما تسر وما تخفي تحت صدرك ،فشهر رمضان هو شهر العودة الى عادة الصلاة بعد الانقطاع عنها احد عشر شهراً وهو ما يجعل المساجد لا تستوعب جحافل المصلين من كثرتهم كأن عبادة الرحمان تتوقف على شهر واحد دون الشهور الاخرى .
وعبادة العبد لربه في بلادنا لسوء الحظ تتجاوز العلاقة بين هذا العبد وربه لتشمل بالاضافة إليهما ثلة من الفضوليين الذين يحاسبونك على صلاتك وصومك وتقصيرك في عدم حضور صلاة الجماعة بالمسجد وعدم إتمام صلاة التراويح .كانهم بتطفلهم يتممون عمل ملاكَيْ اليمين والشمال وهم في الحق أولى بالنصح والإرشاد !!.
عندما اصلي صلاة العشاء في المسجد فإنني اصلي بعدها مكرها ركعتين للتراويح وأضيف ركعتين اخريين لُماماً إغضاباً للشيطان الذي يجثم على صدري ويأبى فراقه ،ثم انصرف الى حيث أهوى ويهوى هذا الشيطان ،الى مقهى (البلدي )حيث ينتظرني من يخافون صلاة الجماعة بالمسجد لبطئها فصلوا في منازلهم صلاة البرق بسورة الإخلاص و الكوثر وتعمدوا تأجيل الشفع والوتر الى آخر الليل حيث يضاعف اجرهما !!التأجيل هنا يكون مكراً وليس بحسن نية!!.
اجتمعت الوجوه التي كانت عابسة أثناء عبادة الرحمان وهي مبتسمة منشرحة الأسارير حول مائدة الشيطان لتلعب لعبة الورق فيما يشبه الميسر ،بل هو الميسر بعينه في شهر الثوبة والغفران ، ما ان تشتد المنافسة حتى يقف منتصبا أمامي احد تلامذة الصف الرابع إعدادي لابسا جلبابا كاكيا وطربوشا ابيض وفي ذقنه شعيرات من الزغب وهو بالكاد قد خرج من المسجد بعد ان أتم صلاة العشاء والتراويح والشفع والوتر كلها جماعة ليطلق العنان لنصائحه ووعيده كان صلاته لن تستقيم الا بصلاتي وعباداته لن تستكمل أجرها عند الله بدون عباداتي!و لحسن حظي انه مدريدي (نسبة الى ريال مدريد) و الكلاسيكو على الأبواب وتوقيته سيتزامن مع أذان العشاء في هذا الشهر الكريم ،وحينها سيكون امام الامتحان وفي الامتحان يعز المرء او يهان .
هرمت من اجل هذه اللحظة ،لحظة تزامن الكلاسيكو الإسباني مع صلاة العشاء في رمضان المبارك ، ومعلوم ان صلاة العشاء في رمضان تُنافس صلاة الجمعة في حظور المصلين الى المسجد حيث ان المتأخرون عن الالتحاق بالمسجد لدقائق قبل الصلاة يكونون ملزمون على الصلاة في باحة المسجد فوق الأسمنت الخشن!! . في تلك الليلة قبيل بداية اللقاء الكروي مررت بدراجتي الهوائية للتجسس على مسجد ( إغرم) والمسجد (الجديد) فكان الحضور للصلاة من العجزة وبعض الشباب الذين لا تستهويهم كرة القدم أصلا !!، لأمر بعد ذالك على المقاهي الأربعة بالبلدة والمشهد يتكرر في كل مقهى ،الكراسي حجزت منذ صلاة العصر! واستعان باقي المتفرجين بصناديق المشروبات بعد نفاذ الكراسي ،بل منهم من أتى بكرسيه من منزله ومنهم من ظل واقفاً طوال التسعين دقيقة ،الحناجر التي تصدح ليلة أمس بتلاوة القرآن أصبحت هذه اللحظة مبحوحة من كثرة الصياح بإسم رونالدو و ميسي .وبما انني جلست بالخلف أراقب الموقف الذي لم اعتد عليه من قبل في البلدة ،شاهدت الحظور منقسما الى فريقين توزع ولائهما على الفريقين المتباريين في التلفاز والتمييز في الولاء وسط هذا الحضور في المقهى لا تخطئه العين من خلال القمصان التي يرتدونها التي إن لم تكن بيضاء فهي بنفسجية زرقاء، وكانت اغلب هذه القمصان تحمل في ظهرها إسمي رونالدو و ميسي كما تتردد بعض الأسماء كذالك كانيستا و تشابي و بيبي !!.
تبدأ المباراة على رقعة الملعب وتبدإ معها مباراة اخرى بين المتفرجين في المقهى الكل يحلل وينتقد على هواه ،بعد كل صافرة حكم عن مخالفة او شرود يبدأ السب والشتم في حقه أصاب او أخطأ ،انحاز او عدل ،انه التعصب الكروي الأعمى الذي بدأ ينقرض في أروبا وبقي شبابنا وفيا له !!.
تبادل المتفرجون أمامي الكلام النابي بكل ألوانه وتشابكوا بالايدي والتحموا بالاجساد ،كسرت كؤوس وقوارير .وتبادل البعض الوعيد الى ما بعد المباراة !!.
ما ان أعلن الحكم عن نهاية الشوط الاول حتى انصرفت الجموع الى الساحة الخلفية للمقهى ،الان الكل تذكر الرحمان و بدأت الجموع أداء صلاة العشاء وصلوها فرادى فصلاة الجماعة بطيئة والبطء ممنوع في هذه اللحظة والغريب أن منهم من صلى بالتيمم ومنهم من صلى بوضوء المغرب وعجيب هذا الوضوء الذي صمد شوطا من مباراة مجنونة حيث عضلات( الإسْت) تنقبض مع محاولة مرتدة للفريق الخصم وترتخي مع كل محاولة في اتجاه مرمى الخصم أوليس هذا الارتخاء نذير خروج ريح ولو لم يشعر به صاحبه وبه يفسد الوضوء ،المهم ان الصلاة تمت والدعاء للفريقين الخصمين رفع الى نفس الاله ،يبتهل البعض رافعا يديه الى السماء أن يحالف الحظ رونالدو ويعاند ميسي في التسجيل وآخر بجانبه يدعوا للبارصا بالانتصار ولو بضربة جزاء خيالية يسجلها بنجاح البرغوث ميسي !!.
انتهت المقابلة بالتعادل هدفين لكل فريق في مرمى خصمه ،تبادل لا عبوا الفريقين التحية وتعانقا بكل روح رياضية ،اما هذا الجمهور الذي أمامي الموبوء بجنون الكرة فقد بدأ شوطا ثالثا للمباراة يتبادلون الاتهامات فيما بينهم يسبون الحكم الذي تغاضى عن اعلان خطأ واضح والعارضة التي نابت عن الحارس وبطئ اللاعب في التمرير لزميله الذي كان في وضع مثالي للتسجيل .الفائز الحقيقي من المباراة هو (المقهاجي) ،ولا أنسى فضل هذه المباراة علي حيث وفرت علي نصائح المنافقين حيث طُفت عليهم واحدا واحدا إبان المباراة أهمس في آذانهم أن يوفروا نصائحهم لأنفسهم في المرة المقبلة.
لحسن الحظ ان الكلاسيكو لم يصادف ليلة القدر بلقاء مصيري ينتهي وقته الأصلي بالتعادل ويحتكم الفريقين الى الأشواط الإضافية وضربات الجزاء حيث سيستيقظ غول النفاق والرياء في قلوب العديدين الذين سيستبدلون الاعتكاف بالمسجد بالاعتكاف امام شاشة التلفاز في ليلة هي خير من الف شهر .
تعليقات (0)
أضف تعليقـك