قصور

نشر بتاريخ 26 ديسمبر 2014 13:57:13


تيرابريس - حماد اوباري / صور: لحسن سويري

      تعد القصور المنتشرة بمنطقة  "أَمَغَى" تراثا فريدا من نوعه بفضل ما تزخر به  من ثروة غنية على مستوى أشكال الهندسة المعمارية التي تتميز بها ، فرغـــــــم عراقتها و التي يعود تاريخها إلى عشرات و عشرات  السنوات ، فهي تشكو كباقي قصور الجنوب الشرقي عموما  من الإهمال مما يعرضها للانهيار. فهي تبقى إرث حضاري ومعماري يحكى تاريخ قبيلة من قبائل  أيت عطا المذكورة كما وجد في كتب المؤرخين أمثال "دافيد هارت" و" سبيلمان" و آخرون.

    إن قصر "أملعب" يشكل كباقي قصور "أمغى" بمنطقة  الرشيدية تراث فريدا من نوعه، فبراعة المهندس المعماري المحلي تركت لمساتها الفنية والجمالية في كل من واحة  "اكلي" ،  "مروتشة"، "أملعب"، "تروك"، "خطارة اغران" "وخطارة أغروض"، قصور "كنات" ، قصور كان من الواجب الاعتناء بها تمجيدا و إنصافا  للأجداد المقاومين الأشاوس وعبرة للحفدة ، ثرات على الأقل المطالبة بإدراجها ضمن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)باعتباره تراثا عالميا،و الاستفادة من الترميم و التبليط وتفاديا لانهيارها ، شانها شان قصور سجلماسة  أو قصور مكناس ، حفظا لمصدر فخرنا  وصونا للذاكرة الجماعية  و ضمانا لاستمرارها أعوام  أخرى.

القصر القديم "اغرم اقديم" ملاعب

القصور أو ما يصطلح عليه في القاموس الامازيغي "بإغرمان"- جمع "اغرم" - وهي بنايات من الروعة بمكان شيدت  بالطين الممزوج بالتبن لضمان المقاومة و الاستماتة ضد أي تحدي طبيعي قبل أن يكون تحدى للبارود، "اغرمان" تعتبر أرشيفا حيا لتاريخ المنطقة و لأصالة معماره الذي يقدر من قبل المهندسون الغربيون ، إحترم فيه  العرف البنيوي سواء من ناحية مناخ المنطقة ولا من حيث العلاقات حتى  السياسية  منها السائدة أنداك. يسجل أن القصور المشيدة من الطين قد أصبحت مهجورة و مهددة بالاندثار خصوصا في قصور "اكلي" ،"تورك" ،"مروتشة"، "خطارة إغران" و "أغروض" ...، و قد بدأت البنايات الإسمنتية التي يبدو شكلها غريبا من حيث عدم إنسجامه مع المجال تعوض هذه  القصور، مما يسيء إلى الجمالية المعمارية و يؤدي إلى خلق نظام اجتماعي في شكل الأسرة النووية بدل نظام العائلة الممتدة التي كانت تعرف به القصور التي يتخلى عنها سكانها في غالب الأحيان لأسباب مختلفة.

و نرجع ذلك من خلال معاينتنا  لقصور "اكلي" و "تروك" ونسبيا في قصر ملعب ، إن أسباب التخلي عن القصور وبالتالي تدهورها إلى كون القصر لا يتسع للاستجابة لحاجيات قاطنيه، حيث أصبح الملك العقاري لم يعد ممكنا تقسيم العقار بين الورثة نظرا لكثرة عددهم و لكون غالبيتهم لم تعد حاضرة بعين المكان بسبب الهجرة، إضافة إلى صعوبة تدخل القطاع العمومي أو المؤسسات إن وجدت (تورك  أثناء ترميمه ) في الملكية الخاصة بالنظر إلى كون الأسر المستقرة بالقصور رغم قلة عددها نسبيا معوزة و غير قادرة على مواجهة تكاليف الصيانة من جهة، و من جهة أخرى إنعدام قنوات الصرف الصحي رغم إمكانية تواجدها في بعض القصور( ملعب مثلا) .

أما  ربط هذه البنايات بشبكات الماء الصالح للشرب و الكهرباء فهي متوفرة  من قبل  دون إلحاق أضرار بها نظرا لطبيعة المواد المستعملة في بناء هذه القصور المشكلة أساسا من "الطين الممزوج بالتبن في أغلب الحالات". في الوقت الذي تتطلب فيه هذه  القصور التي تعتمد في البناء على مواد الحجر و الطين و الخشب و نباتات أخرى و التي يتم إنجازها حسب تقنيات تبدو أكثر تطورا في عصرها، عمليات ترميم من أجل إنقاذها، كما أن التفكير في تشجيع السبل لإعادة استعمال هذه المجالات يبدو ضروريا، و ذلك قصد تثمين معالمها العمرانية و إعادة الاعتبار إليها.

"مَمَر أمزرڭ" بالقصر القديم بملاعب

  و مما يثير الانتباه بشأن هذه البنايات هو ما تعبر عنه من مدى الترابط الحميمي المتبادل بينها و بين المحيط الطبيعي الذي يوفره المجال و إمكانيته البشرية، ذلك أن القصور تبدو دائما كما لو أنها تجني أفضل ربح لها من الظروف المحلية نظير المواد الطبيعية و الظروف الطبيعية و من المحيط البشري وسط العقلية و التصورات الثقافية و مستوى التطور التقني و نوع التنظيم  فيما يهم الإنتاج و التبادل، في الوقت الذي ينظر فيها إلى هذه البنايات كمآثر تاريخية خالية من روح التناغم بينها و بين محيطها، مما يضفي عليها صورة الاندحار و التدهور، و أن عملية الترميم و الصيانة لا تشمل إلا القليل مما تبقى منها. 

     باستثناء الأسوار و بعض البنايات التي استطاعت أن تحافظ على أصالتها المعمارية، فإن جميع المنازل المتواجدة داخل أسوار قصور امغى عرفت تغيرا شبه كلي من حيث طبيعة نسيجها المعمراني الذي كان يميز البنايات السكنية القديمة لتحل محلها بنايات سكنية من نوع المنزل المغربي العصري / التقليدي و الذي لا يتلاءم و النسيج العمراني لمدينة تاريخية، فضلا عن ذلك وللمقارنة قصورنا بقصور اخرى كقصور منطقة دادس مكون،اقول  ان النشاط السياحي ساعد على إعطاء سمعة عالمية للتراث المعماري لها من خلال الخرائط و الصور و التصوير السينمائي الذي يستغلها كديكور نادر، و قد بذلت مجهودات وطنية و دولية منذ ما يزيد عن 20 سنة من أجل إنقاذ بعض هذا التراث المعماري، بحيث تم وضع برامج تمويلية من طرف الحكومة المغربية و برنامج الأمم المتحدة للتنمية و منظمة اليونسكو و المكتب المغربي للسياحة من خلال إعادة ترميم بعض المواقع ذات الأهمية الكبيرة، نتمنى يوما أن تستفيد قصور امغى من مثل  هذا التمويل  وان تكون لقصورنا  كسمعة  "ايت بن حدو نواحي  وارزازات ".

قصر "مرُوتشة"

 

ولعل التساقطات الأخيرة التي عرفتها المنطقة شكلت تهديد حقيقي وملموس لدى الساكنة ،  لو استمرت بضعة أيام  لكان ذلك الإرث المعماري وبقيمته السياحية والثقافية في خبر كان ، فعلى كل غيور بقصره و بأسواره الشامخة أن يجعله شأنا في صلب انشغالاته و السعي إلى إدماج وتعزيز المؤهلات المحلية.عبر مجموعة من المبادرات حتى و إن كانت بسيطة وغير مكلفة ، المهم  أن نبعث برسائلنا لعلها تسمع يوما ما و تلقى ادن صاغية من قبل الفاعلين الجماعيين والذين يتعين عليهم أن يدرج ضمن الأجندة الثقافية للمجالس المنتخبة بل  عليه أن تفخر باحتضانها مواقع تاريخية بهذه الأهمية، وبالتالي لابد من تنظيم أنشطة مشتركة لتشجيع البحث العلمي المحلي.

    الاعتناء  بقصور "أمغى" يستحق أن يدرج ضمن قائمة التراث العالمي، فهي يكتسي أهمية قصوى حيث سيمكن من وقف نزيف تدهور هذا التراث المحلي الضارب في القدم ، معتبرا أن ذلك سيساهم في تحسيس وإشراك كافة مكونات المجتمع في جهود صيانة وإعادة تأهيل وإحياء دور هذه القصور وتجنيبها التهميش والاندثار. نظرا لأهمية تلك القصور، إن من شأن إحداث متحف يضم قطعا أثرية في شتى مناحي الحياة التقليدية (الطبخ، الفلاحة، الصناعة التقليدية، الفنون، الأزياء والحلي …) بالإضافة إلى المخطوطات والصور الفوتوغرافية القديمة التي تؤرخ لأعلام محلية وأحداث تاريخية، أن يحافظ على التراث المادي للمنطق ككل الذي يعد مرادفا للذاكرة الجماعية وللهوية والتاريخ ويعكس بدون شك ثقافة وشخصية سكان المنطقة.

      أدعوا كل الفاعلين الجمعويين بالمنطقة إلى التحرك و  لتحرير مطلب  هدفه الأسمى رد الاعتبار لهذا الكنز المعماري ، بتأسيس إطار واحد يضع على رأس قائمة أهدافه إحياء التراث المحلي العريق من خلال عقد ندوات وأيام دراسية، والارتقاء بالمواسم إلى مهرجانات ثقافية تصب جميع فقراتها في خدمة الموروث.
     من جهته ، يخلص الفاعل السيد لحسن اوباري  المهتم بالتراث و الثقافة الامازيغية  ، عضو سابق بجمعية ملعب " إمي نغرم "في تصريحه لتيرابريس ،".." إن قصور امغى كانت عبارة عن منازل محصنة متشابكة  بما تحمل الكلمة من معنى شأنها شان أناسها المتشبثون بالأرض و العرف ،"اغرم" يشكل وحدة سكنية متكاملة تضم جمعة بشرية متكاملة تجمعها روابط الدم تحدد مصيرها بشكل جماعي ."
ويردف لحسن:" إغرمانغ" أي  "قصورنا" رمز للمقاومة و المبدأ  ورمز التلاحم والتضامن و التآخي ، قصورنا أدت ادوار في حماية العرض و النفس ، فعندما ننطق بالقصر يتبادر إلى دهني قيم و ثقافة راقية ،عرف "أزرف نتقبيلت " ،،تربية  ، وحدة الصف،أسرة ممتدة ...، وهنا لابد من الإشارة  إلى أن الحركة العلمية والثقافية عرفت إشعاعا كبيرا في قصور أمغى  وهي حالة فريدة من نوعها في المنطقة  أنداك  وليست بجديدة في الوقت الحالي ،حيث  إنتشار  فكر التصوف  بشكل ملحوظ (الدوليل ، أتباع سيدي محمد العربي بالزاوية الدرقاوية بملاعب  الكاين مقرها بدرب الزاوية (أطلق عليه لعلو نزاويت)  كما إنتشر  تحفيظ القرآن الكريم، وتدريس العلوم الشرعية من فقه ونحو، وتلقين المتون والأوراد".

ويضيف الفاعل الجمعوي:"من الناحية المعمارية فقصور أمغى وإن إختلفت هندسيا من قصر إلى أخر شيئا ما  فإنها متشابهة  بشكل كبير، فهي  تتخللها دروب " لعلاوي "تجتمع في ممر رئيسي "امزرك"في اتجاه الباب الرئيسي "امي نغرم "، تفتح عبرها أبواب المنازل المتراصة بعضها إلى بعض في تناسق بديع".

من جهته، قال  الأستاذ عيسى أقشور،وهو فاعل جمعوي ،رئيس جمعية تورك للماء الصالح للشرب  إن عملية الترميم التي استفادت منها قصر تورك في وقت سابق ،عملية  لقيت استحسان ساكنة القصر خاصة و سكان المنطقة عامة، فبناية قصر توروك  كان يتعرض لانهيارات جراء عوامل طبيعية و بشرية كانت ستودي  به الى أشباه أطلال خاصة بعد أن هجره السكان  بالتوالي ابتداء من أواخر الثمانينات من القرن الماضي بحثا عن مساكن مسايرة للعصر .ترميم قصر توروك  مبادرة و فرصة ثمينة اصطادها أحد الغيورين فيما ما يسمى "ببرنامج إعادة ترميم قصور تافيلالت ".


ويستطرد عيسى:" هذه المبادرة ترجمت إلى ارض الواقع و لقيت تنويه المهتمين بالتراث العمراني والغيورين على الموروث الأمغي  ، لما لها من دور فعال في بعث الروح من جديد في قصور تورك ”القديم " الصامد باعتباره الأقدم  من قصر ملاعب  بل الأكثر من ذلك فقصر توروك  يعتبر من بين اقدم  قصور الإقليم  إذ يعود بناؤه إلى أزيد من أربعة  قرون ، له مدخلين، مدخل "امي نثلوث "  و"امي نغرم الرئيسي"

"إمي نيغرم" توروك

قصر تروك

وزاد أقشور في تصريحه:  أن "إمي نغرم الرئيسي" عرف إعادة  بناؤه مؤخرا بعد أن تم هدمه سنة  1996 من قبل بعض الأيادي التي لا تعرف للتاريخ قيمة و لا أهمية  " كلنا أمل أن تستفيد باقي قصور واحة امغى الكبير  من عملية الترميم، التي من شأنها رد الاعتبار لهذه المعالم التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.

قصر "اكلي"

قصر "اكلي"

وبعد أن أشار السيد اقشور إلى أن عملية  ترميم قصور المنطقة  التاريخية  تعد مبادرة قيمة من شأنها رد الاعتبار لهذا التراث الغني والمتنوع، نوكد و نطالب  على أهمية الخروج بهذه القصور من موقع مدرج في قائمة التراث العالمي فقط إلى فضاء للزوار ومحطة استثمار من شأنها خلق حركية اقتصادية مهمة، ومكان لتلاقح الأفكار وتبادل الآراء واسترجاع ذكريات الزمن الجميل كلها.


   وفي الأخير أكاد أجزم أن هناك أفكار  تحفيز أبناء المنطقة، سواء  من الجالية المغربية المقيمة بالخارج أو المقيمة بالمدن المغربية ، على الاستثمار وخلق مشاريع سياحية في قلب قصور الواحة  (متاحف، دور الضيافة، مأوي …) وفتح الطريق للمستثمرين الأجانب في القطاع السياحي مع شرط إحترام الخصوصيات المحلية، ودعوة المؤسسات التعليمية والتربوية لتنظيم زيارات استطلاعية لفائدة التلاميذ، وتشجيع الباحثين الجامعيين على استثمار بحوثهم ودراساتهم في النبش في أعماق التراث المحلي الأمغى، فضلا عن إنجاز ريبورتاجات وأفلام وثائقية حول القصور في مجالات متعددة.


 

تعليقات (0)

أضف تعليقـك

Reload Image
أدخل الرمز*: